شرح حديث “من مات وعليه صيام”
حديث “من مات وعليه صيام” هو حديث نبوي شريف يعد من الأحاديث ذات الأهمية البالغة في فقه الإسلام، حيث يتناول مسألة فرضية الصيام والأحكام المتعلقة بها عند حدوث وفاة لشخصٍ كان عليه صيام. يعد هذا الموضوع من القضايا التي تشغل بال المسلمين في حالة فقدان شخص كان في مرحلة صيام ولم يتمكن من إتمامه بسبب وفاته، ويسعى المسلمون جاهدين لمعرفة الحلول الشرعية لهذه الحالة.
نص الحديث
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: “من مات وعليه صيام، فليصم عنه وليه”. رواه البخاري.
السياق التاريخي والشرعي للحديث
قبل الدخول في شرح مفصل لهذا الحديث، يجب أولًا فهم السياق الشرعي الذي ورد فيه. الإسلام يولي اهتمامًا بالغًا بمسألة العبادات ومنها الصيام، وينظم بشكل دقيق كيفية أداء هذه العبادات بشكل صحيح. في حديث “من مات وعليه صيام”، يقدم النبي صلى الله عليه وسلم حلاً يتعلق بحالة خاصة يتعرض لها المسلم، ألا وهي حالة الوفاة قبل إتمام فريضة الصيام في الشهر الفضيل.
إن مفهوم الصيام في الإسلام يتجاوز كونه مجرد امتناع عن الطعام والشراب؛ فهو عبادة تهدف إلى تقوى الله عز وجل، وتعليم المسلم الصبر، والانضباط، والابتعاد عن الشهوات. ومع ذلك، قد يحدث أن يموت المسلم قبل إتمام صيامه، وهو ما يؤدي إلى نشوء سؤال شرعي حول كيف يجب التصرف في هذا الحالة.
شرح الحديث
“من مات وعليه صيام”:
يشير الحديث إلى حالة الفرد الذي توفي وكان عليه صيام فرض (أي صيام رمضان) أو قضاء صيام (مثل قضاء الأيام التي أفطر فيها المريض أو المسافر). يعكس هذا الحديث اهتمام الشريعة الإسلامية بتحقيق العدالة للأشخاص الذين توفاهم الله قبل أن يتموا ما عليهم من صيام، ويعد بذلك إشارة إلى أن هذا الشخص لم يكن قادرًا على إتمام عبادته بسبب الموت، وبالتالي لا يتحمل مسؤولية ذلك العبء في الآخرة.
“فليصم عنه وليه”:
الجزء الثاني من الحديث يتعلق بالشخص الذي توفي وكان عليه صيام. وفقًا لهذا الحديث، يترتب على الولي، وهو الأقرباء أو أفراد العائلة، أن يقوموا بالصيام نيابةً عن المتوفى. لكن في هذا السياق، يشمل الولي كل شخص قادر على القيام بالصيام نيابة عن المتوفى، سواء كان الابن أو البنت أو أحد الأقارب الذين لا يتعارض مع المسؤوليات الشرعية الأخرى التي قد تكون عليهم.
تفسير العلماء للحديث
هناك تباين في تفسير هذا الحديث بين العلماء، حيث اعتبر البعض أن هذا الحديث يعني أن الصيام عن المتوفى هو فرض على الولي، بينما ذهب آخرون إلى أنه يعد أمرًا مستحبًا. دعونا نستعرض بعض الأوجه التي تناولها العلماء في شرح هذا الحديث:
-
الرأي الأول: فرض الصيام عن المتوفى
العديد من علماء الفقه الإسلامي يرون أن هذا الحديث يدل على وجوب صيام الشخص المتوفى. وقد استدلوا بذلك على أن الحديث نص صريح في فرض الصيام على الولي، وبالتالي يعتبر ذلك تكليفًا يجب على الوارث أو القريب القيام به. وقد أشار جمهور العلماء إلى أن هذا التكليف يعود بالدرجة الأولى إلى الرغبة في الوفاء بحقوق المتوفى، وتأكيدًا على ما يمكن أن يُقال إنه واجب من واجبات الرعاية الأسرية.
-
الرأي الثاني: استحباب الصيام عن المتوفى
رأي آخر يرى أن هذا الحديث يدل على أن صيام المتوفى أمر مستحب وليس فرضًا. بناءً على هذا الرأي، فإن صيام الولي عن المتوفى لا يكون واجبًا في الحالات كافة، وإنما يكون أمرًا مستحبًا تقربًا لله تعالى، وقد يعفى عنه في حالة تعذر الأمر أو عدم الرغبة فيه لأسباب خاصة.
-
الرأي الثالث: صيام القضاء عن المتوفى
من أكثر الآراء شيوعًا بين العلماء هو أنه يجب على الوارث أن يصوم عن المتوفى قضاءً لما عليه من صيام لم يتمكن من إتمامه في حياته. وقد اتفق جمهور الفقهاء على أن صيام المتوفى يجب أن يكون قضاء عن الأيام التي أفطر فيها الشخص بسبب عذر، مثل المرض أو السفر، أو الصيام الذي لم يتمكن من قضائه بسبب الوفاة.
دليل إضافي من الأحاديث الأخرى
من الأحاديث الأخرى التي تدعم هذا المعنى ما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من مات وعليه صيام، فليصم عنه وليه” (رواه مسلم). هذا الحديث يوضح ويؤكد نفس المعنى ويعزز القول بأن الشخص الذي عليه صيامًا في حال موته يمكن للولي القيام بهذه العبادة نيابة عنه.
من الذي يقوم بالصيام عن المتوفى؟
يتعين على الشخص الذي يقوم بالصيام عن المتوفى أن يكون من أقاربه، وذلك من باب أولى، مثل الأبناء أو الأخوة. قد يختلف الرأي فيمن هو الأقرب للمتوفى الذي يقوم بالصيام نيابة عنه إذا لم يكن له أولاد أو أقارب مباشرة، لكن من المعلوم أنه في النهاية يكون الصيام قربة لله، ولا يشترط أن يكون فقط الأقرباء من ينفذون هذا الواجب.
كيف يتم صيام المتوفى؟
هناك بعض التفاصيل الهامة التي يجب مراعاتها عند صيام المتوفى:
-
عدد الأيام: يتم تحديد عدد الأيام التي يجب صيامها بناء على الأيام التي لم يتمكن المتوفى من صيامها بسبب المرض أو العذر الذي مر به. في حال كان الشخص قد أفطر طوال الشهر بسبب عذر، يتم قضاء تلك الأيام.
-
طريقة الصيام: يختلف العلماء في كيفية صيام المتوفى، حيث يرى بعضهم ضرورة صيام كامل الشهر عن المتوفى، بينما يرى آخرون أنه يمكن تعويض الأيام التي لم يُتمها فقط.
-
إشراك المتوفى في نية الصيام: عند أداء هذه العبادة، يجب على الشخص الذي يصوم عن المتوفى أن يكون في نيته قضاء الأيام التي كانت مفروضة على المتوفى، والتقرب إلى الله بذلك.
حكم صيام التطوع عن المتوفى
بالإضافة إلى صيام الفريضة، قد يتساءل البعض عن حكم صيام التطوع (مثل صيام الاثنين والخميس أو أيام البيض) عن المتوفى. الشريعة الإسلامية لا تشترط صيام التطوع عن المتوفى، حيث أنه لا يوجد نصوص تؤكد وجوب صيام التطوع عنه. إلا أن بعض العلماء يرون أنه إذا كان الوارث راغبًا في القيام بذلك، فإنه يمكنه صيام التطوع عن المتوفى باعتباره قربة إلى الله سبحانه وتعالى.
الختام
حديث “من مات وعليه صيام” يعد من الأحاديث الهامة التي توضح مسألة شائكة في فقه العبادات، وتوجه المسلمين إلى كيفية التعامل مع الحالة التي يموت فيها شخص وهو غير قادر على إتمام صيامه. إن هذا الحديث يحمل بين طياته معاني التراحم والوفاء بالحقوق، ويدعو المسلمين إلى أداء واجباتهم تجاه أقاربهم الذين توفوا، مع مراعاة الظروف الخاصة التي قد يمرون بها أثناء حياتهم.
